النكات الثقافية ١: بعض مما يأخذه العيان من الميت، الشعر العامي وشعر الفصحى

يعتقد البعض أن الشعر العامي أكثر أهمية اجتماعية من شعر الفصحى لأنه يصل إلى الناس بشكل أسرع ويتم الحث على كتابته، بحجج الوصول للجماهير. والفصحى برج عاجي بعيد وفيه شقق وأسانسير، اخر شققه للرمزيين.
ومع ذلك، يبدو أن الواقع لا يُصدِق على هذا الرأي؛ فلا أحد من حولي يعرف فؤاد حداد أو الابنودي، ولم تساهم اللغة العامية في جعل الشعر العامي يصل إلى جمهور أوسع في محيطي كما يتم الترويج لذلك.
فتأثير الشعر ليس مرتبطاً فقط باللغة المستخدمة، بل يتعلق بسياق الثقافة وتقبلها.
تفرض الميثولوجيا الثقافية تحليلات ونتائج، لتبرز فقط أهميتها وتنطلق منها بإغفال كل شيء آخر، ولا يمكن لها أبدا التفكير من خارج عقد اضطهادها واستحقاقها الرمزي بالحقائق الاوطان ..
لماذا يقرأ جاري فؤاد حداد أو محمود درويش أو غيرهما؟ لماذا لدي رغبة في أن يقرأ لهم من الأساس؟ الأمر يتجاوز مجرد قراءة نصوص أدبية، ويطرح تساؤلات عن الدوافع الثقافية والشخصية التي تجعل الأشخاص يتجهون نحو الشعر، بدلا عن أغنية مهرجانات.
كما أن القالب لا يهم في محاولة الوصول للجمهور، هو وحده ليس مقدسا، خصوصا إن كانت القيم التي تريد إيصالها موجودة في قوالب أخرى. هذا لمن يريد للشعر أن يصل إلى الناس ولا يريد أن يتخلى على الإرث القديم للشاعر كنبي معطّل.
أكتب شعر فصحى ويصل إلى أناس قليلة جدا، لكن لست مهتما بشهرته، فهذه لن تعطيه قيمة بالنسبة لي في شيء.
مغزى الكتابة عندما يكون غير منطقي وخارج الكتابة نفسها يصبح الأمر غريبا. إن كنت تريد الوصول للناس بشكل أكبر فقم بعمل مهرجان أو أغنية. والأمر هنا لا يتعلق بالضرورة بتفاهة الأغنية أو المهرجان، هذه الناس، هذا ما يفضلونه، لا تتعالى وتجبر الجمهور على معاييرك الفنية، أو دعهم وتوقف عن طلب التقدير من الذين لا يعرفونك من الأساس.
ومع ذلك وبذلك أؤمن أن هناك عوامل اجتماعية وثقافية تساهم في تشكيل اهتمامات الناس وتفضيلاتهم الأدبية، خارج المكتوب نفسه. لماذا تحاول تقدير نفسك بذم شكل آخر، أو نعته بالميت؟ لدي الشعر شعر، عامية أو فصحى أو صعيدي.. لا تهم اللغة في شيء بالنسبة لي لتصلق به صفة الشعر أو لا!
العالم لا ينصاع لرغبات الشعراء فقط، الأمر أصبح يشبه كوميونيتي المهندسين والأطباء والصنايعية والإسكندرانية والفلاحين.. وأخيرا العيانين والموتى!
*لست بحاجة لقول أن كل ما أقوله حتى لو فهمته وكتبته على سبيل الإطلاق، هو رأيي الشخصي الذي لا يتعدى راسي والسحابة التي فوق بيتنا.
*كثير من الحقائق النظرية التي يمكن أدلجتها بالمنطق لا توجد في الواقع، رغم اني أؤمن بمنطقيتها، لذلك يجب إعادة النظر في الأبعاد كلها التي تقدمها الثقافة في فهم كل شيء.

السعيد عبدالغني

كلمة حرة , 2024 جميع الحقوق محفوظة